شهدت الساحة الاقتصادية التونسية تطورات مثيرة للجدل إثر فرار رجل الأعمال عادل بن رمضان إلى إسبانيا بعد تورطه في قضية قرض ضخم منحه له بنك الإسكان باكثر من 450 مليون دينار . القرض، الذي تم إقراره في 31 ديسمبر 2024، كان يُعتبر في البداية "أصلًا سليمًا" بدون أي تأخير في السداد. لكن، مع غلق السنة المالية وظهور معطيات جديدة، تغيّر تقييم هذا الملف بشكل جذري، خصوصًا وان ضمان رجل الاعمال "فيلا" لا يغطي ثمنها اطلاقا حجم مبلغ القرض الكبير.
بحسب تقرير مراقبي الحسابات، تواجه مجموعة عادل بن رمضان صعوبات مالية كبيرة في استرجاع مستحقاتها، مما دفع إلى توصية بإعادة تصنيف القرض كدين مشكوك فيه وفقاً للمعايير الاحترازية.
تجاوزات مالية خطيرة
أحد أبرز الجوانب المثيرة في القضية هو أن هذا القرض تجاوز 25 مليون دينار تونسي، وهو الحد الأقصى المفروض من قبل البنك المركزي التونسي للتمويلات الفردية. إضافة إلى ذلك، لم يتم الالتزام بالمعايير الاحترازية الأساسية مثل إجراء تحاليل مستقلة لضمان قدرة العميل على السداد، أو توفير ضمانات مناسبة.
القرض يمثل 60% من صافي الناتج البنكي لبنك الإسكان (744.2 مليون دينار)، رأس مال البنك بلغ 238 مليون دينار فقط في نهاية 2024. وانهى البنك السنة بنتيجة صافية قدرها 108.5 مليون دينار، مع مخصصات لمخاطر الائتمان بقيمة 275.2 مليون دينار.
تداعيات اقتصادية
الأزمة لم تقتصر على البنك فقط، بل امتدت إلى السوق المالية. صرّح الخبير المالي معز حديدان أن هناك "مخاوف جدية بشأن إمكانية السداد منذ الربع الأول من سنة 2025. وأوضح أن تأثير الأزمة كان مباشرًا على السوق، حيث تراجع مؤشر توناندكس بنسبة 0.8% يوم الجمعة بعد أن ارتفع بنسبة 1% يوم الخميس الماضي. وهبط سهم بنك الإسكان بنسبة 5.6%.حديدان أكد أن النظام البنكي التونسي ما يزال متماسكًا، لكنه حذر من أن سحبًا جماعيًا للودائع قد يؤدي إلى تفاقم الوضع.
وتثير هذه الأزمة تساؤلات جوهرية حول نظام الحوكمة في البنوك العمومية. الخبير المصرفي سفيان الوريمي شدد على وجود "تجاوزات خطيرة" للمعايير الاحترازية، من أبرزها منح قروض ضخمة دون ضمانات كافية، وغياب دراسات الجدوى المستقلة وتجاوز سقف التمويلات الفردية.
ورغم خطورة الوضع، أكد الوريمي أنه لا يوجد تهديد مباشر لأموال المودعين، مشيرًا إلى أن البنك يمتلك أموالًا ذاتية كافية لامتصاص الخسارة. كما ذكّر بوجود صندوق ضمان الودائع الذي يحمي أموال الحرفاء وفقًا لقانون البنوك لسنة 2016.
وتسلط قضية فرار عادل بن رمضان الضوء على مشاكل عميقة في إدارة المخاطر والحوكمة داخل البنوك التونسية، خاصة العمومية منها. بينما يبدو أن النظام البنكي قادر حاليًا على امتصاص هذه الصدمة، فإنها تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام المؤسسات المالية بالمعايير الاحترازية، وحول قدرة السلطات على محاسبة المخالفين، واسترجاع الاموال المنهوبة.